كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



منها: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل فلم يذبح، عن أزواجه المتمتعات ولاَ عَنْ عائشة القارنة إلا يوم النحر، وكذلك فعل وهو وجميع أصحابه المتمتعين بأمره، واستمر على ذلك عمل الأمة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. وقد أمرنا أن نأخذ عنه مناسكنا، ومن مناسكنا: وقت ذبح الهدايا، ولا شك أن القران العظيم دل على أن كل هدي له تعلق بالحج أن ذبحه في أيام معلومات، لا في أيام مجهولات كما أوضحناه مرارًا لأنه تعالى قال: {وَأَذِّن فِي الناس بالحج يَأْتُوكَ رِجَالًا وعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} لأن مضمون الآية الكريمة: أذن فيهم بالحج يأتوك حجاجًا مشاة وركبانًا، لأجل أن يشهدوا منافع لهم، ولأجل أن يذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام: أي وليتقربوا إلى الله بدماء ما رزقهم من بهيمة الأنعام، ذاكرين اسم الله عليها عند التذكية.
فقد صرح بأن ذلك التقرب بدماء الأنعام الذي هو من جملة ما دعوا إلى الحج من أجله، أنه في أيام معلومات لا في زمن مطلق مجهول كما ترى.
وقد بينا الأيام المعلومات في أول هذا البحث، وقد بين صلى الله عليه وسلم أول وقتها، فذكر اسم الله على ما رزقه من بهيمة الأنعام: وقت تذكيتها يوم النحر، ويوضح أن ذكر اسم الله عليها إنما هو عند تذكيتها تقربًا لله تعالى بدمائها قوله تعالى: {والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] أي ذكوها قائمة صواف على ثلاثة أرجل كما هو معلوم.
ولا شك أن الله جل وعلا في محكم كتابه بين أن الهدي له محل معروف لا يجوز التحلل بحلق الرأس، قبل بلوغه إياه، وذلك في قوله: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي لا مطعن فيها: أنه صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق هديا من أصحابه بفسخ حجه في عمرة، والإحلال من العمرة، وتأسف هو صلى الله عليه وسلم أنه لم يفعل ذلك وقال «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة».
ولا شك أن المانع له من فسخ الحج في العمرة أنه لا يمكنه التحلل، وحلق الرأس، حتى يبلغ الهدي محله.
ومن الضروري البديهي أن هدي التمتع، لو كان يجوز ذبحه عند الإحلال من العمرة، أو الإحرام بالحج أنه صلى الله عليه وسلم يتحلل بعمرة، ويذبح هديه عندما تحلل منها، فيكون متمتعًا ذابحًا عند الفراغ من العمرة، أو عند الإحرام بالحج، فلما صرح بامتناع هذا وعلله بأنه قلد هديه، وعلم أنه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر كما هو واضح.
وقد أوضحنا أن جميع أفعاله في الحج، ويدخل فيها الذبح ووقته كلها بيان لإجمال آيات القران كقوله: {حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وقوله: {وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} كما أنه بيان لقوله: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} [آل عمران: 97] الآية. ولذا قال صلى الله عليه وسلم مبينًا: أن أفعاله في الحج، بيان للقرأن «لتأخذوا عني مناسككم» وقد قدمنا اتفاق الأصوليين، على أن فعله صلى الله عليه وسلم الذي هو بيان لإجمال نص يقتضي الوجوب: أنه واجب إلى آخر ما قدمناه من الأدلة.
وقد علمت مما ذكرنا أن القائلين بجواز ذبح هدي التمتع عند الإحرام بالحج، أو بعد الفراغ من العمرة كالشافعية وأبي الخطاب من الحنابلة، ليس معهم حجة واضحة من كتاب الله، ولا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا فعل أحد من الصحابة وأن تمسكهم بآية: {فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج} [البقرة: 196] وبعض الأحاديث ليس في شيء منه حجة ناهضة، يجب الرجوع إليها، هذا ما ظهر لنا في هذه المسألة، العلم عند الله تعالى.
تنبيه:
اعلم أن ما يفعله كثير من الحجاج الذين يزعمون التقرب بالهدي، يوم النحر من ذبح الغنم في أماكن متفرقة من منى لا يقدر الفقراء على الوصول إليها، والتمكن منها، وتركها مذبوحة ليس بقربها فقير ينتفع بها، وتضيع تلك الغنم بكثرة وتنتفخ وينتشر نتن ريحها في أقطار منى، حتى يعم أرجاءها النتن كأنه نتن الجيف أن كل ذلك لا يجوز وهو إلى المعصية أقرب منه إلى الطاعة. ولا يجوز لمن بسط الله يده إقرارهم على ذلك، لأنه فساد وأذية لسائر الحجاج بالأرواح المنتنة، وإضاعة للمال، وإفساد له باسم التقرب إلى الله، ودواء ذلك الداء المنتشر في منى كل سنة أن يعلم كل مهد وكل مضح: أنه يلزمه إيصال لحم ما يتقرب به إلى الفقراء، فعليه إذا ذبحها أن يؤجر من يسلخها طرية حين ذبحها أو يسلخها هو، ويحملها بنفسه أو بأجرة، حتى يوصلها إلى المستحقين، لأن الله يقول: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البائس الفقير} [الحج: 28] ويقول: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر} [الحج: 36] ولا يمكنه إطعام أحد ممن أمره الله بإطعامهم إلا بإيصال ذلك إليهم، ولو اجتهد في إيصاله إليهم، لأمكنه ذلك لأنه قادر عليه وعلى من بسط الله يده، أن يعين الحجاج المتقربين بالدماء على طريق الإيصال إلى الفقراء بالطرق الكفيلة بتيسير ذلك كتهيئة عدد ضخم من العاملين للإيجار يوم النحر على سلخ الهدايا والضحايا طرية، وحمل لحومها إلى الفقراء في أماكنهم، وكتعدد مواضع الذبح في أرجاء منى، وفجاج مكة، ونحو ذلك من الطرق المعينة على إيصال الحقوق لمستحقيها.
واعلم: أن التحقيق أن فقراء الحرم هم الموجودون فيه وقت نحر الهدايا من الآفاقيين، وحاضري المسجد الحرام، فإن ذبح في موضع فيه فقراء، وخلى بينهم وبين الذبيحة أجزأه ذلك لأنه يسر لهم الأكل منها بطريق لا كلفة عليهم فيها، فكأنه أطعمهم بالفعل، والعلم عند الله تعالى.
ومعلوم أن المتمتع إذا لم يجد هديا أنه ينتقل إلى الصوم كما قال تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196].
وأظهر قولي أهل العلم عندي أن معنى قوله في الحج: أي في حالة التلبس بإِحرام الحج، لأن الظاهر من اسم الحج هو الدخول في نفس الحج، وذلك بالإحرام وقال بعض أهل العلم: المراد بالحج أشهره، واستدل بقوله تعالى: {الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُوماتٌ} [البقرة: 197] ولا دليل في الآية عندي، لأن الكلام على حذف مضاف: أي زمن الحج أشهر معلومات. وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أسلوب عربي كما أشار له في الخلاصة بقوله:
وما يلي المضاف يأتي خلفا ** عنه في الإعراب إذا ما حذفا

وعليه فينبغي أن يحرم بحجه، قبل يوم التروية ليتم الثلاثة. قبل يوم النحر لأن صومه لا يجوز. وكره بعض أهل العلم للحاج صوم يوم عرفة، واستحب أن يفرغ من صوم الثلاثة قبله، وجزم به صاحب المهذب والتحقيق: أن السبعة إنما يصومها بعد الرجوع إلى أهله، ووصلوه إلى بلده، وأنه ليس المراد أنه يصومها في طريقه في رجوعه. وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر: أن المراد الرجوع إلى أهله وهو ظاهر القران. فلا يجوز العدول عنه. والظاهر أن الأيام الثلاثة والأيام السبعة: لا يجب التتابع في واحد منهما، لعدم الدليل على ذلك قال في المغني: ولا نعلم فيه خلافًا، وإن فاته صومها قبل يوم النحر، فهل يجوز له أن يصوم أيام التشريق الثلاثة؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
أحدهما: أنه لا يجوز صوم أيام التشريق للمتمتع.
والثاني: يجوز له صومها، وفيها قول ثالث: أنها يجوز صومها مطلقًا، ولا يخفى بعد هذا القول وسقوطه. أما حجة من قال: إنها لا يجوز صومها للمتمتع، ولا غيره فهو ما رواه مسلم في صحيحه. وحدثنا سريج بن يونس، حدثنا هشيم، أخبرنا خالد، عن أبي المليح، عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب» وفي لفظ عند مسلم عنه زيادة «وذكر الله».
وقال مسلم في صحيحه أيضًا: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزير، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أنه حدثه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق، فنادى: أنه لا يدخل الجنة، إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب» وفي لفظ عند مسلم: «فناديا». اهـ منه.
قالوا: فهذا الحديث الصحيح الذي رواه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم صحابيان: هما كعب بن مالك، ونبيشة بن عبد الله الهذلي، فيه التصريح من النَّبي صلى الله عليه وسلم بأن أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذلك يدل على أنها لا يجوز صومها. وظاهر الحديث الإطلاق في المتمتع وغيره. وفي الحديث المذكور: الرد على من أجاز صومها مطلقًا، ومما يؤيد ذلك حديث عمرو بن العاص أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق: إنها الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومهن، وأمر بفطرهن. قال ابن حجر في الفتح: أخرجه أبو داود، وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم.
وأما حجة من قال بجواز صوم أيام التشريق الثلاثة للمتمتع الذي فاته صومها قبل يوم النحر، فهي ما رواه البخاري في صحيحه قال: باب صيام أيام التشريق، قال أبو عبد الله: قال لي محمد بن المثنى: حدثنا يحيى، عن هشام قال: أخبرني أبي كانت عائشة رضي الله عنها تصوم أيام منى، وكان أبوه يصومها.
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة: سمعت عبد الله بن عيسى عن الزهري عن عروة، عن عائشة، وعن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهم قالا: لم يرخص في أيام التشريق، أن يصمن، إلا لمن لم يجد الهدي. انتهى منه قالوا: فهذا الحديث له حكم الرفع وفيه التصريح بالترخيص في صوم أيام التشريق للمتمتع، الذي لم يجد هديا، والروايات الصحيحة التي رواها الحفاظ من أصحاب شعبة، لم يرخص بضم الياء وفتح الخاء مبنيًّا للمفعول.
قال في الفتح: ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني، واللفظ له، والطحاوي: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق، وقال: إن يحيى بن سلام، ليس بالقوي، ولم يذكر طريق عائشة، وأخرجه من وجه آخر ضعيف عن الزهري، عن عروة عن عائشة، وإذا لم تصح هذه الطرق المصرحة بالرفع، بقي الأمر على الاحتمال.
وقد اختلف علماء الحديث في قول الصحابي: أمرنا بكذا، ونهينا عن كذا، هل له حكم الرفع؟ على أقوال:
ثالثها: إن أضافه إلى عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم فله حكم الرفع، وإلا فلا.
واختلف في الترجيح فيما إذا لم يضفه، ويلتحق به رخص لنا في كذا وعزم علينا ألا نفعل كذا كل في الحكم سواء، فمن يقول: إن له حكم الرفع فغاية ما وقع في رواية يحيى بن سلام، أنه روى بالمعنى. لَكِن قال الطحاوي: إن قول ابن عمر وعائشة أخذاه من عموم قوله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج} [البقرة: 196] لأن قوله: في الحج يعم ما قبل النحر، وما بعده، فتدخل أيام التشريق فعلى هذا، فليس بمرفوع بل هو بطريق الاستنباط منهما، عما فهماه من عموم الآية. وقد ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق، وهو عام في حق المتمتع وغيره. وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن، وعموم الحديث المشعر بالنهي، وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعًا، فكيف وفي كونه مرفوعًا نظر، فعلى هذا يترجح القول بالجواز، وإلى هذا جنح البخاري والله أعلم. انتهى كلام ابن حجر في الفتح وتراه فيه يجعل: أمرنا ونهينا، ورخص لنا وعزم علينا كلها سواء في الخلاف المذكور هل لها حكم الرفع أو الوقف، وممن قال: بصوم أيام التشريق للمتمتع: ابن عمر، وعائشة، وعروة، وعبيد بن عمير، والزهري، ومالك، والأوزاعي وإسحاق، والشافعي في أحد قوليه، وأحمد في إحدى الروايتين، وممن روى عنه عدم صوم المتمتع لها: الشافعي في القول الثاني، وأحمد في الرواية الثالثة، وروي نحوه عن علي والحسن، وعطاء وهو قول ابن المنذر قاله في المغني.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: مسألة صوم أيام التشريق للمتمتع يظهر لي فيها أنها بالنسبة إلى النصوص الصريحة، يترجح فيها، عدم جواز صومها وبالنظر إلى صناعة علم الحديث يترجح فيها جواز صومها، وإيضاح هذا أن عدم صومها: دل عليه حديث نبيشة الهذلي، وكعب بن مالك في صحيح مسلم، كما قدمنا وكلا الحديثين صريح في أن كونها: أيام أكل وشرب. من لفظ النَّبي صلى الله عليه سولم، وهو نص صحيح صريح في عدم صومها، فظاهره الإطلاق في المتمتع، الذي لم يجد هديا وفي غيره.
ولم يثبت نص صريح من لفظ النَّبي صلى الله عليه وسلم ولا من القرآن: يدل على جواز صومها للمتمتع، الذي لم يجد هديا، وما ذكره ابن حجر عن الطحاوي من أن ابن عمرن وعائشة رضي الله عنهم أخذا جواز صومها من ظاهر عموم قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج} [البقرة: 196] ليس بظاهر، والظاهر سقوطه الله أعلم لإجماع جميع المسلمين: أن الحاج إذا طاف طواف الإفاضة، بعد رمي جمرة العقبة، والحلق: أنه يحل له كل شيء حرم عليه بالحج من النساء، والصيد، والطيب، وكل شيء. فقد زال عنه الإحرام بالحج بالكلية، وصار حلالًا حلًا تامًّا كل التمام. وذلك ينافي كونه يطلق عليه أنه في الحج، فإن صام أيام التشريق فقد صامها في غير الحج، لأنه تحلل من حجه، وقضى مناسكه.
ومن أصرح الأدلة في ذلك: أن الله صرح بأنه لا رفث في الحج، وأيام التشريق يجوز فيها الرفث بالجماع، فما دونه فدل على أن ذلك الرافث فيها ليس في الحج، وأما الرمي في أيام التشريق فهو من السنن الواقعة بعد تمام الحج تابعه له، وكذلك النحر فيها إن لم ينحر يوم النحر.
أما كونه في أيام التشريق: يصدق عليه أنه في الحج بعد إحلاله منه، وفراغه منه، حتى يتناوله عموم الآية، فليس بظاهر عندي. والله تعالى أعلم.
وأما بالنظر إلى صناعة علم الحديث فالذي يترجح هو جواز صوم أيام التشريق للمتمتع، الذي لم يجد هديا، لأن المشهور الذي عليه جمهور المحدثين: أن قول الصحابي: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو رخص لنا في كذا، أو أحل لنا كذا له كله حكم الرفع، فهو موقوف لفظًا مرفوع حكمًا.
قال ابن الصلاح في علوم الحديث الثاني: قول الصحابي: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا من نوع المرفوع، والمسند عند أصحاب الحديث، وهو قول أكثر أهل العلم، وخالف في ذلك فريق منهم: أبو بكر الإسماعيلي، والأول هو الصحيح، لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه الأمر والنهي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى محل الغرض منه.
وقد قال بعد هذا: ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعده.
وقال النووي في تقريبه: الثاني قول الصحابي: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو من السنة كذا، أو أمر بلال أن يشفع الأذان وما أشبهه، كله مرفوع على الصحيح الذي قاله الجمهور. وقيل: ليس بمرفوع، ولا فرق بين قوله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعده انتهى منه، وعلى هذا درج العراقي في ألفيته في قوله:
قول الصحابي من السنة أو ** نحو أمرنا حكمه الرفع ولو

بعد النَّبي قاله بأعصر ** على الصحيح وهو قول الأكثر

وفي علوم الحديث مناقشات في هذه المسألة معروفة، والصحيح عندهم الذي عليه الأكثر: أن ذلك له حكم الرفع وبه تعلم أن حديث ابن عمر، وعائشة عند البخاري لم يرخص في أيام التشريق، أن ضمن الحديث له حكم الرفع. وإذا قلنا: إنه حديث صحيح مرفوع عن صحابيين، فلا إشكال في أنه يخصص به عموم حديث نبيشة، وكعب بن مالك، ولو كان ظاهر الآية، يدل على صومها، كما ذكره ابن حجر عن الطحاوي، فلا مانع من تخصيص عمومها بالحديث المرفوع.